أحيانًا تستيقظ فجأة وتدرك أن شيئًا ما تغيّر فيك، لا تدري متى بدأ، لكنك تشعر به بوضوح. ما كان يثير حماسك لم يعد كذلك، والأمور التي كنت تنتظرها بشغف أصبحت تمرّ بلا أثر. وكأنك فقدت جزءًا من نفسك في زحمة الأيام، وها أنت تحاول أن تفهم: أين ذهب ذلك الاندفاع الجميل؟
هذه الحالة تُسمّى فقدان الشغف، وهي ليست مرضًا ولا ضعفًا، بل مرحلة يمر بها كل من يعيش بصدق ويجتهد في طريقه. أحيانًا تكون علامة على الإرهاق، وأحيانًا رسالة خفيّة من داخلك تخبرك أنك بحاجة إلى التوقّف قليلًا وإعادة النظر في الطريق الذي تسلكه.
في البداية، تشعر بأن الحماس يتراجع ببطء، تصبح المهام اليومية ثقيلة، والأفكار التي كانت تملؤك بالحيوية لا تُشعرك بشيء. قد تلوم نفسك، وربما تحاول أن تجبرها على الاستمرار، لكنّ الروح لا تُجبر، بل تُصغى. وما يبدو خمولًا في الظاهر قد يكون محاولة من النفس للراحة، لتلتقط أنفاسها بعد لهاثٍ طويل.
الأسباب كثيرة: تعبٌ ذهني متراكم، ضغط العمل، تكرار الأيام بنفس الوتيرة، خيبات صغيرة لم تجد طريقها للتعبير، أو ربما لأنك تغيّرت، ولم يعد القديم يناسبك. الشغف مثل النهر، لا يتوقف، لكنه يغيّر مجراه أحيانًا.
في مثل هذه اللحظات، لا تبحث عن حلول سريعة، بل ابحث عن نفسك. امنحها وقتًا لتستريح دون أن تحكم عليها بالكسل. خذ فترة هدوء، ابتعد عن كل ما يستهلكك، عن الأشخاص الذين يثقلون روحك، عن الأحاديث المكرّرة، وعن الأدوار التي ترتديها مجاملة. عد إلى أبسط الأشياء التي تمنحك سكينة حقيقية: السير في مكان هادئ، قراءة ما يلامس قلبك، قضاء وقت مع من يفهمونك دون شرح.
ستكتشف أن الشغف لا يموت، بل يختبئ حين نُهمل أنفسنا. هو لا يغادرنا، بل ينتظر أن نعيد ترتيب فوضانا، أن نُصغي لصوتنا الداخلي بعيدًا عن ضجيج التوقعات. حين تستعيد صفاءك، سيعود هو من تلقاء نفسه، خفيفًا، نقيًا، كما يعود الضوء بعد العاصفة.
فقدان الشغف لا يعني أنك انتهيت، بل أنك على وشك أن تبدأ من جديد بطريقة مختلفة. ربما ما كنت تظنه غيابًا هو في الحقيقة دعوة للتجدّد، لإعادة اكتشاف ذاتك من زاوية أكثر صدقًا. لا تخف من هذا التغيّر، فالأشياء التي تُغادرنا تترك فراغًا لا ليبقى، بل ليمتلئ بما هو أنسب لنا.
كن رحيمًا بنفسك، لا تُعاقبها لأنها سكنت، ولا تُجبرها على الحماس القسري. امنحها وقتها لتستعيد توازنها، وستجد أن تلك الشرارة التي خمدت مؤقتًا لم تنطفئ تمامًا، كانت فقط تستريح. ومع الأيام، ستعود أقوى، أصفى، وأقرب إليك من أي وقت مضى.
 
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                                             
                                 
                                     
    
    
    
     
    
    
        
        
            