متى تتحول العلاقة من دعم إلى عبء؟
العلاقات الاجتماعية تمنحنا شعورًا بالأمان والانتماء، لكنها أحيانًا تتجاوز حدودها الصحية، فيفقد الإنسان توازنه العاطفي ويصبح اعتماده على الآخر مبالغًا فيه، وهنا يبدأ ما يُعرف بـ التعلّق المرضي.
ما المقصود بالتعلّق المرضي؟
هو ارتباط عاطفي مفرط يجعل الفرد عاجزًا عن اتخاذ قراراته أو الشعور بالاستقلال النفسي دون وجود الطرف الآخر. ومع مرور الوقت، تتحول العلاقة إلى تبعية نفسية وسلوكية تضعف الشخصية وتشوّه التفاعل الاجتماعي. وغالبًا ما تنشأ جذور هذا النمط في الطفولة نتيجة اضطراب العلاقة بين الطفل ومقدمي الرعاية أو نقص الدعم العاطفي.
مؤشرات التعلّق غير الصحي
لا تتشابه الأعراض عند الجميع، لكن أكثرها شيوعًا يشمل:
-
خوف شديد من الفقد أو الهجر.
-
صعوبة رسم حدود واضحة في العلاقة.
-
توتر دائم وقلق عند غياب الطرف الآخر.
-
التضحية المفرطة بالذات لإرضاء الآخر.
-
انغلاق اجتماعي وضعف الثقة بالنفس.
-
محاولات للسيطرة بدافع الخوف من الخسارة.
الجذور النفسية للتعلّق الزائد
ينشأ التعلّق المرضي من مجموعة تجارب متراكمة مثل:
-
الحرمان أو الإهمال العاطفي في الطفولة.
-
التربية الصارمة أو الاعتمادية الزائدة على الوالدين.
-
خبرات الفقد والرفض العاطفي المتكرر.
-
ضعف تقدير الذات والخوف من الوحدة.
-
اضطرابات أسرية أو انفعالات أبوية قاسية.
كيف نبدأ التحرر من التعلّق المرضي؟
التعافي من هذا النمط يحتاج وعيًا وتدريبًا نفسيًا مستمرًا، ويمكن البدء بخطوات عملية مثل:
-
الاعتراف بالمشكلة: فهم أن العلاقة غير متوازنة هو أول طريق الإصلاح.
-
بناء الثقة بالنفس: تطوير صورة إيجابية عن الذات يقلل الاعتماد على الآخرين.
-
تحديد الحدود الشخصية: احترام المسافة العاطفية يحافظ على التوازن النفسي.
-
الاهتمام بالذات والهوايات: توجيه الطاقة نحو الاهتمامات الشخصية يخفف من التعلق.
-
الاستعانة بالعلاج النفسي: مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو الجلسات الأسرية والجماعية.
-
المشاركة في مجموعات دعم: لتبادل الخبرات واستعادة الثقة تدريجيًا.
استعادة التوازن الداخلي قبل البحث عن التوازن مع الآخرين
التعلّق المرضي لا يُعد ضعفًا، بل هو إشارة داخلية تدعونا للتوقف وإعادة النظر في مشاعرنا واحتياجاتنا. إنه تذكير لطيف بأننا بحاجة إلى إعادة ترتيب علاقتنا بأنفسنا قبل أن نحاول إصلاح علاقاتنا بالآخرين.
فالتحرر من التعلّق لا يعني الابتعاد أو الانعزال، بل يعني بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل، والمسافة الصحية، والاستقلال النفسي.
وحين ننجح في حبّ أنفسنا وتقبّلها أولًا، نصبح أكثر قدرة على إقامة روابط إنسانية ناضجة، تقوم على المشاركة لا التبعية، وعلى المودة لا الخوف.إن طريق التوازن يبدأ من الداخل… من لحظة ندرك فيها أن سعادتنا لا يصنعها الآخرون، بل نحن من نصنعها حين نصالح ذواتنا.